مقالي في الجزيرة العربية وإسلام تايمز .
يشكل العقل الطائفي حضوراً متواصلاً على امتداد تاريخنا وفي حياتنا المعاصرة، ليسهم من جديد في تنميط الحياة والسعي لفرض رؤية ثقافية محددة تمارسها العقول الطائفية تجاه بعضها.
وعلى الرغم من كون الطائفية كمجتمع له ملامحه يعد أمراً طبيعياً يدخل ضمن تعدد الشعوب والقبائل والأعراق ، إلا أن جعل التمايز الطائفي وسيلة لإقصاء الآخر أو سلبه حقوقه أو فرض ثقافة وفكر محدد عليه يكرس حالة التشرذم والتخلف في الأمة. هذه الطائفية إن صح التعبير هي من صنع مهندسين مصابين بمرض الكراهية للآخر وحب الإستحواذ والسيطرة ويسعون السعي الحثيث لزرع الفتن وزعزعة الأوضاع و شق صفوف المسلمين بأسم الطائفية ، وهي من إملاءات شيطان النفس وبدواعي حب الأزلية في البقاء وإستعباد البشر.
إن ما يحدث الآن في البحرين من ثوره شعبية عارمة شارك فيها كل شرائح المجتمع من أناس بسطاء وأطباء والمهندسين والمدرسيين والمحاميين والرياضيين ومفكرين وغيرهم كل هؤلاء دفعتهم كبت السنين من الظلم والإقصاء وثاروا للتخلص من استبداد وتسلط وقهر الحكومه ولقد واجهت هذه الثورة عوامل عديدة أنتجها مهندسوا الفتنه في البحرين ممن أصيبوا بمرض شيطان النفس فسعت الحكومة للتخلص من هذه الثورة وبأي ثمن ممكن وبالتحليل السياسي لواقع هذه الثورة نرى بأن الحكومة حصرت هذه التحركات الشعبية العارمة في البحرين بين عناصر ثلات هي:
-1 إستخدام القوة المفرطة والقتل ضد الشعب المطالب برحليها، سواء من خلال آلتها القمعية التي رعتها وطورت قدراتها منذ سنين طويله من أجل هدف واحد فقط يتلخص في الحفاظ على بقاءها في سدة الحكم، أو من خلال الاستعانة بالمرتزقة سواء كانت جيوش دول ديكتاتورية مثل ماحدث من إستدعاء لمايسمى بدرع الجزيرة ولكن على أرض البحرين في الواقع لا يوجد سوى الجيش السعودي ، أو مرتزقة مجنسين.
-2 تزييف الحقائق وتضليل الرأي العام العربي من خلال آلتها الإعلامية التي أتقنت فن الكذب والدجل وتزوير الحقائق وإصطناع المسرحيات ، لكن العقل العربي الثوري والعالمي لا تنطلي عليه مثل هذه الأكاذيب والحيل الهابطة فلقد سقط الإعلام الرسمي البحريني سقوطاً مدوياً منذ أن كشف عن وجهه الكريه ونفسهِ البغيض وإستخدام عبارات و ألاعيب قذرة مثل نعت الطائفة الأكبر والسواد الأعظم في البحرين بعبارات هابطة مثل الصفوية والمجوسية وإتهام اكثرم من نصف الشعب بالعماله للخارج ..!
3- خلق وترويج الفتن الطائفية بين أبناء الشعب الواحد ، واللعب على وتر الإختلاف بين المذاهب الإسلامية، وهذا ما سوف نسلط الضوء عليه ، لأنه يمثل أخطر الأسلحة التي إستخدمتها السلطات البحرينيه خصوصاً وبعد إطلاق يد المتشددين السلفيين في البحرين .
إن هذه الأحداث تدعونا كباحثين ومفكرين إلى المساهمة في دعم الوعي الجماهيري من خلال التركيز على القيم المشتركة ونشر ثقافة المحبة والسلام، وفضح مؤامرات السلطات المستبدة ضد شعوبها وأمتها التي تقوم بها من اجل الحافظ على بقاءها، ومن المهم كذلك أن تعرف الحكومات المستبدة أن الشعوب التي ثارت لم تطلب رشاوي مالية أو إصلاحات هامشية ومؤتمرات للحوار صورية في شكلها ومضونها ، إنما ثورتها من أجل التغيير الشامل والذي يعني في أهم جوانبه تكريس قيم العدالة وتساوي الحقوق بين أبناء الشعب وأن يحكم الشعب نفسه بنفسه إنطلاقاً من مبداً الشعب مصدر السلطات على حسب مانص عليه وكفله دستور البحرين ومن خلال نظم ديمقراطية، وليس من خلال نظم قبلية أو فئوية بدويه تحكمت في شعوبها أكثر من قرنين من الزمان.
إن أبرز ملامح الأمم والمجتمعات المتحضرة يتموضع في تداخل الأطياف الفكرية والأعراق والطوائف الاجتماعية تحت السعي لتكريس قيم النهوض والتقدم وبناء الذات كمجموع متفاعل ومتعارف، ومع تكاثر الأعراق في المجتمعات المتحضرة وتضادها تاريخياً إلا أن الدولة الحديثة استطاعت أن تستفيد من تعدد المرجعيات التاريخية والفكرية للأطياف المختلفة في صنع قانون وقيم ومبادئ تحترمها كل تلك الأطياف والطوائف ليشكل ذلك مرجعية حديثة.
إن التقدم في جميع مجالات الحياة ينطلق من مبدأ أرساه الله في كتابه العزيز، وهو مبدأ التعارف بين البشر، لأنه يشكل وسيلة مهمة في تثاقف المجتمعات المختلفة وهو من أهم وسائل التغير والتطوير في أبنية الثقافة والفكر لدى الإنسان المعاصر، ولعل ثورة المعلومات وسهولة التواصل الثقافي بين المجتمعات في عالمنا المعاصر يبرز وجوه المعرفة والتثاقف عبر الأثير في تغير الكثير من المفاهيم والآراء والقيم التي نؤمن بها.
ولكي نسهم في توعية الأمة بخطر الفكر والثقافة الطائفية التي تسعى للإقصاء وسلب حرية الآخرين وحقوقهم لابد من تعرية ثقافة الكراهية التي تستند إليها النزعة الطائفية المتفشية في حكوماتنا والتي تدعوا للقتل والحرب والعنف انطلاقاً من مبدأ (الخروج على ولي الأمر) وهذا المبدأ الطائفي يرى الحق منحصراً في ذاته وقبيلته وطائفته، إذ أن هذه الثقافة لا تشكل خطراً على التعايش بين المجتمعات فحسب، بل هي تمثل خطراً على الإسلام ذاته إذ تسهم في تكريس صورة مشوهة عن قيم الإسلام ومبادئه السمحة، والتي أضحت تشكل الصورة النمطية الشائعة في الغرب.
تكريس مفهوم المواطنة في الحقوق والواجبات ،قد يظن البعض أن مفهوم المواطنة أمر مستحدث في ثقافتنا الدينية، وهو أمر يستبطن مغالطة واضحة خصوصاً للقارئ النبيه لتاريخنا الإسلامي، وبالأخص لمرحلة التأسيس الذي قادها رسولنا الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم في المدينة المنورة عندما أرسى وثيقة عرفت فيما بعد بوثيقة المدينة والتي أرسى فيها الرسول حقوقاً ووجبات متبادلة بين أطراف المجتمع بمختلف قبائلهم وأديانهم، وجعل التناصر والحفاظ على الوحدة والتعايش بالمعروف وإقامة العدالة والقسط والتعاون الاجتماعي أسس المعاهدة والوثيقة التي ضمت المؤمنين بمختلف قبائلهم واليهود بمختلف قبائلهم وجعلتهم ينصهرون تحت وحدة اجتماعية تسعى لتطبيق تلك المفاهيم التي زخرت بها الوثيقة.
وفي حكومة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام والتي زخرت بالتنوع الطائفي والعرقي والديني مارس الإمام علي عليه السلام سياسة عادلة لم يفرق فيها بين أطياف المجتمع لا في العطاء ولا في الحقوق ولا الواجبات، بل انتصر حتى للنصراني كبير السن الذي رآه يستعطي الآخرين، فأمر له من بيت مال المسلمين عطية تحفظ بها كرامته، وقد أرسى في الكثير من أقواله ووصاياه حق المواطنة بغض النظر عن الدين أو الطائفة أو القبيلة أو العرق، ولعل في كلمته التي أصبحت مثلاً وقيمة اجتماعية ودينية ما يرشدنا إلى تلك السياسة الرشيدة في إدارة الأمة حيث قال :الناس صنفان: إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخَلق.
إن حق المواطنة في الإسلام يعني تساوي الأطياف الاجتماعية في كل الحقوق كالأمن والكرامة والتعليم والمال العام وحرية التعبير والاعتقاد والمساواة أمام القانون وإدارة وتنمية المجتمع، ولا يحق لأي سلطة أن تمنع المواطن مهما كانت طائفته من التمتع بتلك الحقوق التي كفلها الإسلام والشرائع السماوية كافة والقوانين والمواثيق الدولية المعاصرة.
وبقدر ما تنتقص السلطة من تلك الحقوق فإنها في الحقيقة تمارس طائفية مقيتة تولد الكراهية والعنف بين أبناء المجتمع الواحد، والسلطة بهذه السياسة تفقد مشروعيتها في تولي إدارة المجتمع، لأن قبول الشعب بسلطة ما إنما ينبع من كونها تسعى للحفاظ على وحدة المجتمع وحقوق أبناءه وتكريس مفهوم العدالة والقسط بين الناس.
إن ثقافة الكراهية الطائفية التي باتت تنمو في المجتمعات الخليجية الذي تسوده وتسيطر عليه سلطة طائفة محددة دون إشراك الآخرين في القرار كما يحدث الآن في البحرين والسعودية ، لتفرض رؤيتها وفكرها وعقيدتها بقوة على الأطياف المستضعفه الأخرى، ويمثل هذا الفرض للرأي إنتهاكاً للقيم الدينية ولحقوق الإنسان وكرامته، لأن الاستبداد التي تمارسه سلطة طائفية تجاه طائفة أخرى يستبطن رفضاً لمبدأ إنسانية الآخر وحقه في الاختيار وتبني الآراء والمعتقدات التي يراها صواباً، وهذا ما رفضته شريعة سيد المرسلين وهو المعنى الظاهر من قول الله تعالى: لا إكراه في الدين، فإذا كان الله لا يفرض دينه على الناس ولا يجبرهم على اعتناقه فليس من حق أي سلطة أن تفرض أي رأي على أي إنسان أو مجتمع وتسعى لتشطير وحدة المجتمع ببث طائفيتها البغيضه ، وهنا يكون الدين والإنسان في صف واحد ضد ثقافة الكراهية الطائفية.
فأن هذه الطائيفية البغيضة التي تتبناها السلطات في البحرين وكذلك السلطات في السعودية ظناً منها بأنها سوف تخمد روح الثورة في البحرين ساعدت في زيادة عمق التخلف والاحتقان بين أطياف وطوائف المجتمع وتأزيم الوضع وبات إصرار الشعب أكثر وأكثر للإطاحة بهذه الحكومة الغير منتخبه التي فرضت على مجتمعنا من دون إرادة الشعب ، وخصوصاً في هذه الأزمة الراهنه والتي أظهرت الوجه القبيح للحكومة البحرينيه وتجلت فيها روح قيم التفاضل والتي تنطلق من الروح القبلية بدوية خاضعة لآراء تيار ديني متشدد مثل السلفية الذين يتحكمون في مفاصل الدوله في السعودية والذين تم إطلاق يدهم للتحكم في مقدرات الشعب البحريني الأصيل وبات واضحاً للمحللين وللمتابعين للوضع البحريني عن كثب جهود هؤلاء السلفيين واضحة لتشطير المجتمع ولإستجلاب المرتزقة البدو من الخارج والسعي لتهجير وإقصاء طائفة بأكملها تشكل أكثر من نصف المجتمع البحرين، فبات التوظيف في البحرين يعتمد على الطائفية وكذلك الفصل من دوائر الحكومة ومؤسساتها وإعادة الهيكله الوظيفية والسلم التراتبي الوظيفي بات مبني على الطائفية والإنتماء القبلي وكذلك التعامل اليومي مع الشعب ، هنا فُقدت قيم العطاء والإبداع والنهوض الحضاري أهميتها، ليتشكل وعي إجتماعي مزيف يركز على الوهم من خلال الإهتمام بالعرق أو الطائفة، وفي هذا الجو تتبلور ثقافة الكراهية والإنعزال لتشكل عائقاً كبيراً أمام ثقافة وفكر التسامح والتثاقف والتعارف بين أطياف المجتمع وتدوير السلطة أصبح على هذا المفهوم بيد طائفة واحدة من دون الأخرى .
فلا مخرج للأزمة الراهنه في البحرين وغيرها من الدول إلا بنبذ الطائفية وإتاحة الفرصه للشعب لكي يقرر مصيرة بيدة فأن مبداّ الإستعلاء واللجوء للفكر الرجعي المتخلف بات لايجدي نفعاً مع الشعب وأن الحاكم مها علت مسمياته هو في خدمة الشعب وليس الشعب في خدمة الحاكم ويجب إطلاق الركائز والمرئيات الصحيحة والمبنية على الأساس العادل للمجتمع وضرورة التحضر الفكري من دون تقديس الحكومات أو تقديس أشخاص ولا أحد فوق القانون ، فأن الشعوب لاتموت ولكن حكامها يموتون ليس من أجل الإنسان وكرامته فحسب بل من أجل الدين وتصحيح فهمه وتقديمه للعالم المعاصر بصورته الناصعة الحضارية الصحيحة التي أرادها الله له من كونه الدين الوسط الذي يهدف لجعل الأمة شاهدة حضارياً على الأمم.
إذ قال الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه العزيز :- (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) البقرة-143
إن ما يحدث الآن في البحرين من ثوره شعبية عارمة شارك فيها كل شرائح المجتمع من أناس بسطاء وأطباء والمهندسين والمدرسيين والمحاميين والرياضيين ومفكرين وغيرهم كل هؤلاء دفعتهم كبت السنين من الظلم والإقصاء وثاروا للتخلص من استبداد وتسلط وقهر الحكومه ولقد واجهت هذه الثورة عوامل عديدة أنتجها مهندسوا الفتنه في البحرين ممن أصيبوا بمرض شيطان النفس فسعت الحكومة للتخلص من هذه الثورة وبأي ثمن ممكن وبالتحليل السياسي لواقع هذه الثورة نرى بأن الحكومة حصرت هذه التحركات الشعبية العارمة في البحرين بين عناصر ثلات هي:
-1 إستخدام القوة المفرطة والقتل ضد الشعب المطالب برحليها، سواء من خلال آلتها القمعية التي رعتها وطورت قدراتها منذ سنين طويله من أجل هدف واحد فقط يتلخص في الحفاظ على بقاءها في سدة الحكم، أو من خلال الاستعانة بالمرتزقة سواء كانت جيوش دول ديكتاتورية مثل ماحدث من إستدعاء لمايسمى بدرع الجزيرة ولكن على أرض البحرين في الواقع لا يوجد سوى الجيش السعودي ، أو مرتزقة مجنسين.
-2 تزييف الحقائق وتضليل الرأي العام العربي من خلال آلتها الإعلامية التي أتقنت فن الكذب والدجل وتزوير الحقائق وإصطناع المسرحيات ، لكن العقل العربي الثوري والعالمي لا تنطلي عليه مثل هذه الأكاذيب والحيل الهابطة فلقد سقط الإعلام الرسمي البحريني سقوطاً مدوياً منذ أن كشف عن وجهه الكريه ونفسهِ البغيض وإستخدام عبارات و ألاعيب قذرة مثل نعت الطائفة الأكبر والسواد الأعظم في البحرين بعبارات هابطة مثل الصفوية والمجوسية وإتهام اكثرم من نصف الشعب بالعماله للخارج ..!
3- خلق وترويج الفتن الطائفية بين أبناء الشعب الواحد ، واللعب على وتر الإختلاف بين المذاهب الإسلامية، وهذا ما سوف نسلط الضوء عليه ، لأنه يمثل أخطر الأسلحة التي إستخدمتها السلطات البحرينيه خصوصاً وبعد إطلاق يد المتشددين السلفيين في البحرين .
إن هذه الأحداث تدعونا كباحثين ومفكرين إلى المساهمة في دعم الوعي الجماهيري من خلال التركيز على القيم المشتركة ونشر ثقافة المحبة والسلام، وفضح مؤامرات السلطات المستبدة ضد شعوبها وأمتها التي تقوم بها من اجل الحافظ على بقاءها، ومن المهم كذلك أن تعرف الحكومات المستبدة أن الشعوب التي ثارت لم تطلب رشاوي مالية أو إصلاحات هامشية ومؤتمرات للحوار صورية في شكلها ومضونها ، إنما ثورتها من أجل التغيير الشامل والذي يعني في أهم جوانبه تكريس قيم العدالة وتساوي الحقوق بين أبناء الشعب وأن يحكم الشعب نفسه بنفسه إنطلاقاً من مبداً الشعب مصدر السلطات على حسب مانص عليه وكفله دستور البحرين ومن خلال نظم ديمقراطية، وليس من خلال نظم قبلية أو فئوية بدويه تحكمت في شعوبها أكثر من قرنين من الزمان.
إن أبرز ملامح الأمم والمجتمعات المتحضرة يتموضع في تداخل الأطياف الفكرية والأعراق والطوائف الاجتماعية تحت السعي لتكريس قيم النهوض والتقدم وبناء الذات كمجموع متفاعل ومتعارف، ومع تكاثر الأعراق في المجتمعات المتحضرة وتضادها تاريخياً إلا أن الدولة الحديثة استطاعت أن تستفيد من تعدد المرجعيات التاريخية والفكرية للأطياف المختلفة في صنع قانون وقيم ومبادئ تحترمها كل تلك الأطياف والطوائف ليشكل ذلك مرجعية حديثة.
إن التقدم في جميع مجالات الحياة ينطلق من مبدأ أرساه الله في كتابه العزيز، وهو مبدأ التعارف بين البشر، لأنه يشكل وسيلة مهمة في تثاقف المجتمعات المختلفة وهو من أهم وسائل التغير والتطوير في أبنية الثقافة والفكر لدى الإنسان المعاصر، ولعل ثورة المعلومات وسهولة التواصل الثقافي بين المجتمعات في عالمنا المعاصر يبرز وجوه المعرفة والتثاقف عبر الأثير في تغير الكثير من المفاهيم والآراء والقيم التي نؤمن بها.
ولكي نسهم في توعية الأمة بخطر الفكر والثقافة الطائفية التي تسعى للإقصاء وسلب حرية الآخرين وحقوقهم لابد من تعرية ثقافة الكراهية التي تستند إليها النزعة الطائفية المتفشية في حكوماتنا والتي تدعوا للقتل والحرب والعنف انطلاقاً من مبدأ (الخروج على ولي الأمر) وهذا المبدأ الطائفي يرى الحق منحصراً في ذاته وقبيلته وطائفته، إذ أن هذه الثقافة لا تشكل خطراً على التعايش بين المجتمعات فحسب، بل هي تمثل خطراً على الإسلام ذاته إذ تسهم في تكريس صورة مشوهة عن قيم الإسلام ومبادئه السمحة، والتي أضحت تشكل الصورة النمطية الشائعة في الغرب.
تكريس مفهوم المواطنة في الحقوق والواجبات ،قد يظن البعض أن مفهوم المواطنة أمر مستحدث في ثقافتنا الدينية، وهو أمر يستبطن مغالطة واضحة خصوصاً للقارئ النبيه لتاريخنا الإسلامي، وبالأخص لمرحلة التأسيس الذي قادها رسولنا الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم في المدينة المنورة عندما أرسى وثيقة عرفت فيما بعد بوثيقة المدينة والتي أرسى فيها الرسول حقوقاً ووجبات متبادلة بين أطراف المجتمع بمختلف قبائلهم وأديانهم، وجعل التناصر والحفاظ على الوحدة والتعايش بالمعروف وإقامة العدالة والقسط والتعاون الاجتماعي أسس المعاهدة والوثيقة التي ضمت المؤمنين بمختلف قبائلهم واليهود بمختلف قبائلهم وجعلتهم ينصهرون تحت وحدة اجتماعية تسعى لتطبيق تلك المفاهيم التي زخرت بها الوثيقة.
وفي حكومة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام والتي زخرت بالتنوع الطائفي والعرقي والديني مارس الإمام علي عليه السلام سياسة عادلة لم يفرق فيها بين أطياف المجتمع لا في العطاء ولا في الحقوق ولا الواجبات، بل انتصر حتى للنصراني كبير السن الذي رآه يستعطي الآخرين، فأمر له من بيت مال المسلمين عطية تحفظ بها كرامته، وقد أرسى في الكثير من أقواله ووصاياه حق المواطنة بغض النظر عن الدين أو الطائفة أو القبيلة أو العرق، ولعل في كلمته التي أصبحت مثلاً وقيمة اجتماعية ودينية ما يرشدنا إلى تلك السياسة الرشيدة في إدارة الأمة حيث قال :الناس صنفان: إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخَلق.
إن حق المواطنة في الإسلام يعني تساوي الأطياف الاجتماعية في كل الحقوق كالأمن والكرامة والتعليم والمال العام وحرية التعبير والاعتقاد والمساواة أمام القانون وإدارة وتنمية المجتمع، ولا يحق لأي سلطة أن تمنع المواطن مهما كانت طائفته من التمتع بتلك الحقوق التي كفلها الإسلام والشرائع السماوية كافة والقوانين والمواثيق الدولية المعاصرة.
وبقدر ما تنتقص السلطة من تلك الحقوق فإنها في الحقيقة تمارس طائفية مقيتة تولد الكراهية والعنف بين أبناء المجتمع الواحد، والسلطة بهذه السياسة تفقد مشروعيتها في تولي إدارة المجتمع، لأن قبول الشعب بسلطة ما إنما ينبع من كونها تسعى للحفاظ على وحدة المجتمع وحقوق أبناءه وتكريس مفهوم العدالة والقسط بين الناس.
إن ثقافة الكراهية الطائفية التي باتت تنمو في المجتمعات الخليجية الذي تسوده وتسيطر عليه سلطة طائفة محددة دون إشراك الآخرين في القرار كما يحدث الآن في البحرين والسعودية ، لتفرض رؤيتها وفكرها وعقيدتها بقوة على الأطياف المستضعفه الأخرى، ويمثل هذا الفرض للرأي إنتهاكاً للقيم الدينية ولحقوق الإنسان وكرامته، لأن الاستبداد التي تمارسه سلطة طائفية تجاه طائفة أخرى يستبطن رفضاً لمبدأ إنسانية الآخر وحقه في الاختيار وتبني الآراء والمعتقدات التي يراها صواباً، وهذا ما رفضته شريعة سيد المرسلين وهو المعنى الظاهر من قول الله تعالى: لا إكراه في الدين، فإذا كان الله لا يفرض دينه على الناس ولا يجبرهم على اعتناقه فليس من حق أي سلطة أن تفرض أي رأي على أي إنسان أو مجتمع وتسعى لتشطير وحدة المجتمع ببث طائفيتها البغيضه ، وهنا يكون الدين والإنسان في صف واحد ضد ثقافة الكراهية الطائفية.
فأن هذه الطائيفية البغيضة التي تتبناها السلطات في البحرين وكذلك السلطات في السعودية ظناً منها بأنها سوف تخمد روح الثورة في البحرين ساعدت في زيادة عمق التخلف والاحتقان بين أطياف وطوائف المجتمع وتأزيم الوضع وبات إصرار الشعب أكثر وأكثر للإطاحة بهذه الحكومة الغير منتخبه التي فرضت على مجتمعنا من دون إرادة الشعب ، وخصوصاً في هذه الأزمة الراهنه والتي أظهرت الوجه القبيح للحكومة البحرينيه وتجلت فيها روح قيم التفاضل والتي تنطلق من الروح القبلية بدوية خاضعة لآراء تيار ديني متشدد مثل السلفية الذين يتحكمون في مفاصل الدوله في السعودية والذين تم إطلاق يدهم للتحكم في مقدرات الشعب البحريني الأصيل وبات واضحاً للمحللين وللمتابعين للوضع البحريني عن كثب جهود هؤلاء السلفيين واضحة لتشطير المجتمع ولإستجلاب المرتزقة البدو من الخارج والسعي لتهجير وإقصاء طائفة بأكملها تشكل أكثر من نصف المجتمع البحرين، فبات التوظيف في البحرين يعتمد على الطائفية وكذلك الفصل من دوائر الحكومة ومؤسساتها وإعادة الهيكله الوظيفية والسلم التراتبي الوظيفي بات مبني على الطائفية والإنتماء القبلي وكذلك التعامل اليومي مع الشعب ، هنا فُقدت قيم العطاء والإبداع والنهوض الحضاري أهميتها، ليتشكل وعي إجتماعي مزيف يركز على الوهم من خلال الإهتمام بالعرق أو الطائفة، وفي هذا الجو تتبلور ثقافة الكراهية والإنعزال لتشكل عائقاً كبيراً أمام ثقافة وفكر التسامح والتثاقف والتعارف بين أطياف المجتمع وتدوير السلطة أصبح على هذا المفهوم بيد طائفة واحدة من دون الأخرى .
فلا مخرج للأزمة الراهنه في البحرين وغيرها من الدول إلا بنبذ الطائفية وإتاحة الفرصه للشعب لكي يقرر مصيرة بيدة فأن مبداّ الإستعلاء واللجوء للفكر الرجعي المتخلف بات لايجدي نفعاً مع الشعب وأن الحاكم مها علت مسمياته هو في خدمة الشعب وليس الشعب في خدمة الحاكم ويجب إطلاق الركائز والمرئيات الصحيحة والمبنية على الأساس العادل للمجتمع وضرورة التحضر الفكري من دون تقديس الحكومات أو تقديس أشخاص ولا أحد فوق القانون ، فأن الشعوب لاتموت ولكن حكامها يموتون ليس من أجل الإنسان وكرامته فحسب بل من أجل الدين وتصحيح فهمه وتقديمه للعالم المعاصر بصورته الناصعة الحضارية الصحيحة التي أرادها الله له من كونه الدين الوسط الذي يهدف لجعل الأمة شاهدة حضارياً على الأمم.
إذ قال الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه العزيز :- (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) البقرة-143
لقراءة المقال على الجزيرة العربية