الشريط

الخميس، 15 سبتمبر 2011

من قتل نفس بغير نفس








إِن استِحلالَ قَتَلِ الناسِ، وَالاسَتِهَانَةَ بِأَروَاحِهِم، وَالوُلُوغُ فِي دِمَائِهِم يَنشَأُ عَنِ الجَهلِ بِعَاقِبَةِ ذَلِكَ عِندَ اللهِ تَعَالَى، وَعَن ظُلِمٍ فِي النفسِ وَكِبرٍ وَعُلُو عَلَى الناسِ، يَرَى القَاتِلُ فِيهَا نَفسَهُ فَوقَ المَقتُولِ، وَحِينَئِذٍ فَإِنهُ لَوِ استَحَل دِمَاءَ شُعُوبٍ بِأَكمَلِهَا؛ فَإِن قَلبَهَ لا يَتَحَركُ، وَلا تَطرِفُ عَينُهُ، وَلا تَلُومُه نَفسُهُ، كَأَنهُ يَرَى أَن هَؤُلاءِ البَشَرَ مَا خُلِقُوا إِلا لِيَستَعبِدَهُم أَو يُحَققَ مُرَادَهُ مِنهُم أَو يَقتُلَهُم .. 

حين أسكن الله تعالى البشر في الأرض، واستخلفهم فيها؛ ابتلى بعضهم ببعض، فظلم بعضهم بعضا، واعتدى بعضهم على بعض، وقد يصل الاعتداء إلى سفك الدم، وانتهاك العرض، وتمزيق الجسد 
وهذا من نتائج الجهل والظلم الملازمة للإنسان ما لم يكن له دين يردعه، أو خلق يزعه 
وملائكة الرحمن -جل وعلا- خافوا على الإنسان من الإنسان نفسه و من ظلمه لنفسه ، وبغيه عليها، وبطشه بالعباد؛ بعض الأحيان بسبب شهوته والبعض بسبب عنجهيته وإستكباره إلا من رحم الله ولكن حكم الله تعالى نافذ، وحكمته سبحانه غالبة، وحجته دامغه – والله سبحانه وتعالى حاور الملائكه وقال عز وجل 

(قَالُوَا أَتَجعَلُ فِيهَا مَن يُفسِدُ فِيهَا وَيَسفِكُ الدمَاءَ وَنَحنُ نُسَبحُ بِحَمدِكَ وَنُقَدسُ لَكَ قَالَ إِني أَعلَمُ مَا لا تَعلَمُونَ) 

وذلك قبل إسكان البشر في الأرض. والقتل بغير حق يدخل في الإفساد في الأرض 

وقد قص الله تعالى علينا في القرآن الكريم نبأ أول دم بشري سفك على الأرض ظلما وعدوانا بسبب حسد ابن آدم لاخيه فقال الله عز وجل في محكم كتابه : 

(فَطَوعَت لَهُ نَفسُهُ قَتلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصبَحَ مِنَ الخَاسِرِينَ)
إن في القرآن الكريم تعدادا لأنواع من الذنوب ؛ كالشرك والربا والزنا والخمر والعقوق والقطيعة وغيرها، لكني لا أعلم أنه ذكر في القرآن قصة بداية ذنب عمله ابن آدم، ولا بيان أول من باشره سوى القتل؛ فإن الله تعالى ذكره في قصة مؤثرة؛ ليردع عنه من قرأها وسمعها 

ثم ذيلت هذه القصة العظيمة بحكم خطير يفيد أن من استحل قتل نفس واحدة بغير حق فإنما هو مستحل لقتل البشر كلهم 

(أَنهُ مَن قَتَلَ نَفسًا بِغَيرِ نَفسٍ أَو فَسَادٍ فِي الأرضِ فَكَأَنمَا قَتَلَ الناسَ جَمِيعًا)
إن استحلال قتل الناس، والاستهانة بأرواحهم، والولوغ في دمائهم ينشأ عن الجهل بعاقبة ذلك عند الله تعالى، وعن ظلم في النفس وكبر وعلو على الناس، يرى القاتل فيها نفسه فوق المقتول، وحينئذ فإنه لو استحل دماء شعوب بأكملها؛ فإن قلبه لا يتحرك، ولا تطرف عينه، ولا تلومه نفسه، كأنه يرى أن هؤلاء البشر ما خلقوا إلا ليستعبدهم أو يحقق مراده منهم أو يقتلهم. 

ولأجل ما في النفس البشرية من الظلم والعدوان، والتعطش لسفك الدماء عند القدرة على ذلك؛ جاءت نصوص الكتاب وسنة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم حاسمة قوية مرهبة من القتل، تعد من استحل الدماء المعصومة فسفكها، أو استهان بها فأعان على قتلها، توعده بأشد الوعيد وأعنفه حيث قال المولى عز وجل : 

وَمَن يَقتُل مُؤمِنًا مُتَعَمدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَد لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا 

فجمع عليه الغضب واللعنة والوعيد بالنار والعذاب العظيم الذي لا يعلم عظمه إلا الله تعالى، وكفى بذلك زجرا عن الولوغ في الدماء المعصومة أو الاستهانة بأمرها. 


ولقد حذر النبي -صلى الله عليه وآله وسلم - من قتل نفس بغير حق -صلى الله عليه وسلم 

حيث قال: 

لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً" 

عن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ::,ولقد ورد في كتب الشيعه و السنه أحاديث كثيرة 

من قتل مؤمنا فاغتبط بقتله لم يقبل الله منه صرفا ولا عدلا 

رواه أبو دواود 

إن المفسدين في الأرض، المستعلين على الخلق، يعدون الناس بالقتل، ويفاخرون بسفكهم لدمائهم ظلماً وعدواناً، فويل لهم على اغتباطهم بذلك 

وسفك دم مسلم أعظم عند الله تعالى من الدنيا كلها؛ لمكانة المؤمن عند ربه -عز وجل-؛ ولهوان الدنيا عليه سبحانه 

. عن النبي حيث رواى الترمذي والنسائي. 

صلى الله عليه وآله وسلم :
"لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم" 

. فويل لمن استهان بدم امرئ مسلم فسفكه بغير حق، ويل له من يوم عبوس قمطرير يقف فيه بين يدي الله تعالى حين يقضي في أمر الدماء وهي أعظم المظالم بين الناس، ويبدأ بها في الفصل بينهم يوم القيامة؛ كما في حديث: قال النبي -صلى الله عليه وسلم وآله وسلم-: "أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء".
يا ويح جبابرة البشر في ذلك اليوم العظيم، ويحهم حين يقدمون على ربهم سبحانه وقد إستحلوا دماء عباده فسفكوها بغير حق، قد استهانوا بدماء الناس فأراقوها بغير جرم إقترفوه إلا إشباع شهواتهم العدوانية ونزواتهم وبعضاً من الأحيان لإسكات صوت الحق وطمس الحقيقة وإخماد صوت معارضية 
ويحهم حين يحيط بهم ضحاياهم في عرصات القيامة للقصاص منهم، وكم من ظالم جبار سفاك للدماء يطالبه بالقصاص مئات وألوف وملايين من البشر قتلوا في الدنيا بيده أو بأمره بغير حق
فمن سلمه الله تعالى من ذلك فليحمد الله تعالى على عافيته، وليسأله العصمة فيما بقي من عمره، ولينأ عن كل فتنة؛ لئلا تتلطخ يده بدم يسفكه بغير حق 

بســـم الله الرحمن الرحيم 

وَالذِينَ لا يَدعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلا يَقتُلُونَ النفسَ التِي حَرمَ اللهُ إِلا بِالحَق وَلا يَزنُونَ وَمَن يَفعَل ذَلِكَ يَلقَ أَثَامًا * يُضَاعَف لَهُ العَذَابُ يَومَ القِيَامَةِ وَيَخلُد فِيهِ مُهَانًا
إن النفوس البشرية الجامحة إلى الظلم والطغيان، الجاهلة بحقيقتها، المستعلية بقوتها، المغرورة بنجاحها، المخدوعة بمن يزين لها عملها؛ لا تأبه بأرواح الناس، ولا ترق لآلامهم، ولا تكف عن عذابهم؛ لاعتقادها بصواب فعلها، وظنها أن البشر منحة لها تفعل بها ما تشاء، وحين أباد القائد التتري تيمورلنك أهل دمشق، جمع أطفالهم من الخامسة فما دون، وكانوا نحو عشرة آلاف طفل، فوقف ينظر إليهم على فرسه ساعة طويلة، ثم أمر عساكره أن تسير عليهم بخيوله، فماتوا جميعا، فقال: 

"انتظرت أن ينزل الله على قلبي رحمة بهم، فما نزلت الرحمة بهم".
وكان هولاكو الذي أباد أهل بغداد يقول: 

"أنا غضب الله في أرضه، يسلطني على من يشاء من خلقه". 

وكل ظالم وطاغية له في طغيانه وإفساده وسفكه للدماء قناعات يمليها عليه عقله، وتزينها له نفسه او بعض ممن حوله الذين لهم مصالح في ذلك وكذلك علماء البلاط الكذابين الذين يفتون على حسب المقابل، ولا يرون خطأ في ذلك 

كم قتل من البشر في الحروب الصليبية؟! وكم قتل منهم في محاكم التفتيش الأوروبية في القرون الوسطى؟! وكم قتل منهم أيام الغزو التتري؟! وكم قتل من إنسان أيام الاستعمار البغيض؟! وكم أبيد من إنسان في الحربين الكونيتين، ثم في الحروب التي تلتها وكم قُتل مسلم بيد مسلم في المجتمعات الإسلامية ؟! وكم قتل من إنسان أيام المد الشيوعي؟! وقد قيل: إن ستالين أباد ستين مليون إنسان، حتى قال صديقه وشريكه بيريا 

"لقد ارتكب ستالين أفعالا لا تغفر لاي إنسان". 

إنه عدوان الأقوياء على الضعفاء، عدوان الدول القوية على الدول الضعيفة، وعدوان أقوياء السلطة على عامة أفراد الدولة؛ حتى صار سفك الدماء والإفساد في الأرض هو الأصل في البشر، وهو من جهل البشر وظلمهم لبعضهم، وطغيانهم على أنفسهم 
وما نراه من حولنا في العالم العربي وغيرة من قتل وإستباحة للدماء لا يخرج عن سياق الاستهانة بالدماء، وسحق الأقوياء للضعفاء، وسيجازى كل من سفك دما حراماً بغير حق، أو أعان على سفكه، فإن نجا في الدنيا فلن ينجو من عدل الله تعالى يوم القيامة في ساحة القصاص 

يقول المولى عز وجل : 

يَومَ هُم بَارِزُونَ لا يَخفَى عَلَى اللهِ مِنهُم شَيءٌ لِمَنِ المُلكُ اليَومَ للهِ الوَاحِدِ القَهارِ * اليَومَ تُجزَى كُل نَفسٍ بِمَا كَسَبَت لا ظُلمَ اليَومَ إِن اللهَ سَرِيعُ الحِسَابِ 


والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين


بقلم/د.علي الهاشمي

Translate

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة