وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ
إنَّك وبمجرَّد سماعك لكلمة أصنام، فإنَّك تذهب بعيدًا لتصل إلى ظلامٍ دامسٍ وواقعٍ أليم، تقودك إليه مخيّلتك، ويرتبط ذهنك بعادة تقديس الأشياء وعبادتها، وتمرّ أمام ناظريك تلك الأسماء المختلقة الكاذبة مثل اللات والعزى وهبل ويغوث وود ونسر تلك أصنام الجاهلية التي أشار إليها الله سبحانه وتعالى في محكم التنزيل ..، وعلى فورك تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم خشية الوقوع في مصيدة الأصنام أو الدوران في أفلاكها –
(لا قدّر الله)
إنّها كلمة قصيرة من حيث عدد الحروف، ولكنها تحمل من الدلالات والمعاني، ما لا يكفيه مداد البحر حبرًا لوصفها والتعبير عنها.
فـ “صنم”: تعطيك من حرف (ص) صدود وإعراض، ومن حرف (ن) نفور وهروب، ومن حرف (م) مكابرة وعناد.
وهذه هي الملامح المشتركة بين كل أولئك الذين يعيشون معها ولها.. والنماذج كثيرةٌ كثيرة، فكثيرًا من الناس ممن هم حولنا ما زالوا يتوجهون لأصنامهم، في حركاتهم وسكناتهم, حتى في صمت أدمغتهم، فمنهم من أخذها آلهة دينيَّة.. تُحلل وتُحرم، وآخرون عاشوا معها كآلهة اجتماعيَّة.. تُحدد وتُقيّد، وآخرون قدّسوها كآلهة ماديَّة اقتصاديَّة.. لا تتوقف عن الطلبات وفرض الغرامات.
إنّ الأصنام التي يدور حولها وفي كنفها كثيـر من الناس، ما هي إلا إثمٌ محض، أَوْجَدَه الإنسان ليتذرَّعَ به، أحبَّه ليختبـئ خلفه، تعلق به لينجو بنفسه واهمًا، وما هي إلا خطيئة بشريَّة ارتكبها الآدمي لتصبح شماعةً لأخطائه، وليجد بها الحجة والذريعة لإرضاء نفسه وإشباع هواه، وتلبيَة رغباته.
وإنَّه ليعلم كل أولئك العابدون لها، السائرون خلفها، أنَّ هذه الأصنام الجديدة، وعلى أيّة صورة كانت، ما هي إلا مجرَّد كذبة حقيرة يقف خلفها العاجزون أمام أنفسهم وأهوائها، لذلك فهي مقدّسة عندهم، مصونة لديهم، لا يمسها سوء ولا مكروه، ولا يسبقونها أو يتجاوزونها، لأنها تُشعرهم بالرضا عن أنفسهم.
ولقد جاء الإسلام ليحرر الناس من عبادة الأصنام وعبادة الأوثان ويحررهم من عبادة البشر الى عبادة رب البشر ورب العالمين أجمعين وقال سبحانه وتعالى
الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ- الأعراف 157 .
وكما هي العادة الجارية في هذا العصر، حيث يأخذ الناس على عاتقهم تنميق الألفاظ وتجميلها، والتلاعب بها وتخفيف حدتها، فحاولوا عبثاً أن يجدوا كلمات بديلة يستعملونها مكان كلمة الأصنام الحادة، فكانت.. “العادات والتقاليد”، ومرةً تسمى “الرغبات والأهواء”، ومرةً تسمى “الحرية الشخصية”.. ومرةً طاعةً لفلان من الناس وغير هذه الأسماء والمصطلحات كثير الكثير، ولكن كل هذه المحاولات والقفزات والبحث عن البدائل، لم ولن تُغيّر من حقيقة الأشياء وكونها أصنامًا بحلَّةٍ جديدة وثوبٍ آخر.
كم أفسد بعض من الناس من الأمور حولها بمجرَّد أنْ قرَّرت أنْ نَعْبُدَ أصنامًا هي من صنع أيديها وأفكارها، سواء كان ذلك في ميادين العلاقات الاجتماعيَّة، أو التربويَّة أو الأخلاقيَّة أو السياسيَّة، عبادة تُقعدنا وتُعطلُ سير حياتنا، فكم من إنسانٍ عاش تائهًا هائمًا في حياته بسبب صنم “الرغبات”، وكم من مشروع أسري تعطل بسبب صنم “العادات” ، وكم من أخلاق كريمة قتلت في طفولتها بسبب صنم “الحرية الشخصية”، وكم من مشاريع تعطلت وتوقفت بسبب صنم “تقديس الأشخاص والخوف منهم
وكم وكم..!!
فلا بد من التوقف الآن، والتحرك الفوري من قبل المجتمعات والأفراد، في تحطيم أصنامها، صنمًا تلو الآخر، لتعيش فتحًا آخر، تحطم فيه تلك الأصنام وتزهق فيه كل الأباطيل، وترتفع فيه صروح العزة والبناء، وتشيد فيه جسور الكرامة والإخاء ولتعش المجتمعات حياة الكرامة والعزة التي لا تذل ولا تداس .
فلنُقدِم على تحطيمها، ولنقم مكانها ضوابط تناسب زماننا ومكاننا، دون عبودية ولا تقديس. ضوابط تحترم الأصيل من ديننا والموروث، وتقدر الرغبات وتلبي الطموحات، منطلقة من واقع معاصر حديث.
وتعسًا لكل تلك الأصنام التي أفسدت معيشتنا..، وحياتنا.. وحولت دروب الأمة الى دروب مقفرة خاوية من الأمل منزوعة الكرامة فاقدة المستقبل والطموح..
!..وأسفاً على كل أولئك العابدين الغافلين لها
بقلم /د.علي الهاشمي