عمــائم ولحى خاطئةٍ كــاذبه
لا تخلو فترة تاريخية عبر الاف السنين من ارتباط الدين بالمجتمع .. واشتغاله على مساحة كبيرة من سلوك ومقدرات المجتمع .. كان الدين ومايزال محركا مهما لكثير من المجتمعات العربية .. وكان مثار اهتمام ونقطة إرتكاز مهمه لكثير من المشاكل التي تعيشها شعوبنا المبتلاة بشيوع الوجه الممسوخ للدين وليس الوجه الحقيقي .. ولكي نكون واضحين اكثر فاننا نعني بالدين الحقيقي ، الدين المحمدي.. وهنا قد يسأل سائل وهل هناك دين غير محمدي ؟ في واقع الامر لايوجد دين غير الدين المحمدي ولكن توجد وجوه متعددة تتحدث باسم الدين المحمدي وفي داخلها تحمل دينا لايرتبط بدين محمد الا من خلال شيوع الدين المحمدي وانحسار الدين المضاد وانحصاره في نفوس المتحدثين لفظا فقط باسم الدين المحمدي .. ان المشكلة الكبيرة التي عاشتها ولاتزال تعيشها المجتمعات العربية المسلمة هي انها مغيبة عن ادراك او رؤية الوجه الحقيقي للدين ، لأن وعاظ السلاطين ومن اجل ديمومة حكم السلطان ايا كان نهجه ، عمدوا الى ايصال فكرة الخضوع للسلطان من قبل الناس عبر الدين ، لأن الناس بالفطرة تنظر الى الدين على انه علاقتها بالله وهذه العلاقة يتحدث عنها اشخاص يفترض انهم انقياء تشغل نفوسهم روح محبة للخير .. للعدل .. للمساواة .. ولذلك كان الناس يأخذون كل مايرد عن رجل الدين ، الذي يوجد مبررا وعذرا لكل تصرف من ايات القرآن مستفيدا من عاملين مهمين هما محدودية علم الناس بالقرآن وتقديسهم له .. اذ اتاح المجال لوعاظ السلاطين ان يفسروا الايات حسب الحاجة ومقتضى الحال.. رجل الدين يحضى باحترام الناس على اعتبار انه يمارس عملا روحيا ارتباطه بالله فمن المستبعد ان يكون رجل الدين شيطانا معمما.. ان امتزاج قوة السلطان المادية مع قوة الدين المعنوية ، من هذا المزيج مورس تخدير الشعوب وتمرير الجرائم عليهم على انها احكام القدر او مشيئة المولى .. على الرغم من كثرة المجازر التي يرتكبها الحكام تراهم يتحدثون عن مرضاة الله .. ويرتقي المنبر رجل الدين ليحدث الناس عن المعاد والخوف من العقاب وتجنب معصية السلطان وإن حصل أن طالب احدهم بحقه او اعترض على سياسة الحاكم فإنه يدرج ضمن اعداء الدين والمتربصين بعظمة الدولة الاسلامية وهيبتها .. فكان الناس يلتزمون الصمت والحاكم يمضي في طريق عظمته ومجده الابدي مؤيدا بوعاظه من حملة العمائم واللحى من شتى الطوائف .. ان غياب الوعي الحقيقي عن الناس كان له دور كبير وكبير جداً في عدم رؤيتهم لحقائق الأمور، فالناس تنبذ الظلم وتمقته ، ووعاظ السلاطين يقرأون من القرآن مايريدون منه ان يفهم الناس ان الظلم مرفوض ويجب محاربته ، بينما يبرر ظلم الحاكم ولايفسر على انه ظلم.. ويصدر الحاكم قرارات بمعاقبة المفسدين والظلمة وهو فوق سلطة القانون ، لاتطاله يد العدالة ، وكذا حال وعاظه من رجال الدين .. ومرت سنوات العرب العجاف بطولها وعرضها على هذا الشكل وهذا الموال ... وإزاء هذه التحركات كانت هناك تحركات غير غامضة الأهداف او غير متوقع منها ان تحقق ما حققت من إرتباط لها مع مجالات اخرى تخدم وعي الناس .. وتشاء قدرة الله او هي قلة نضج الطغاة ووعاظهم ، ليكون النمو العلمي والتطور المعرفي الذي يتحرك بلا حدود شمالا وجنوبا وشرقا وغربا من خلال الانترنت والموبايل والفضائيات والكتب والصحف مضافا اليها تنقل الناس بين البلدان المختلفة طلبا للعلم او الكسب او السياحة او التجارة .. هذه التحركات وبمرور الوقت اتاحت المجال للشعوب العربية ان تنتفع منها في مجالات حياتها .. واخذت شيئا فشيئا تنمو عند الناس رغبة النهوض الى واقع اخر مقارنة بما يسمع ويرى ويقرأ عن مجتمعات متطورة .. وبقيت تلك الامنيات تراود مخيلة المواطن من أي بلد كان واخذت طاقة رغبته الكامنة تتفاقم .. ويوما بعد اخر اخذ يتحدث هنا وهناك ويعرب عن امتعاظه لواقعه .. منهم من وجد طريقه الى بلاد الغربة ، ومع استمرار حالة الركود في وضع البلاد على ذلك الروتين ، استمرت حالات الهجرة ، ومع ازدياد عدد السنين ازداد عدد المهاجرين وانعكست اعدادهم المتزايدة ايجابيا على حالة الوعي لديهم منتقلا عبر علاقاتهم مع ذويهم والمقربين منهم في بلدانهم من خلال التواصل والاتصال ، كونت هذه التحركات حالة النشاط الاجتماعي الواعي ، وازاء هذه التحركات كانت السلطة الحاكمة تشعر بامان من جانب الشعب النائم في نظرها .. او المغيب بحكم قوة النظام .. ومع هذا الواقع الجديد للشعوب العربية مايزال وعاظ السلاطين يتصورون انهم يستطيعون تخدير الشعوب بالفتاوى والخطب التي من شأنها دعم حكم ظالم او فتوى تحرض الناس لنصرة او لعدم الوقوف بوجه الحاكم الفلاني.. انهم في موقفهم هذا يكشفون للناس من حيث لايشعرون عن نوع الدين الذي مارسوه مع الناس طيلة مئات السنين .. والذي كان مخدرا انعش الطغاة عقودا من الزمن ، وعظم سلطانهم وعظمت امامه معاناة الناس .. حتى مجيئ الفرصة السانحة لتنهض كل تلك المعاناة في داخل الشعوب محركةً إياه صوب الشارع متظاهرا منفجرا معبرا عن سخطه وعن اللامبالاة التي تمارسها السلطة معه .. ان وعي الجماهير اليوم يعد بداية مهمة جدا للنظر في كل الامور والوقوف عندها ومعرفة من يقف وراءها .. فعندما يدافع رجل الدين عن الظالم ويبرر خروج الشعب على الظلم بأنه معصية ، او ينهى الناس عن التظاهر .. وعندما تقمع التظاهرات السلمية ويصمت رجال الدين عن هذا الانتهاك .. فإن علينا ان ندرك ان رجل الدين هذا يحارب الدين المحمدي متخفياً وراء عباءته أوعمامته أولحيته أوثوبه الناصع البراق .. ازاء التطورات المهمة التي تحدث في البلدان من شتى بقاع الأرض وتوافقا مع صحوة الوعي الجماهيري لم يعد بمقدور الناس قبول جرعات التخدير او التهديد المتخفي وراء الدين والدولة الاسلامية والممارس من قبل دعاة الدين .. لم يعد الوقت وقت وعاظ السلاطين ، ولا وقت التحكم بمقدرات الناس .. انه وقت وعي الجماهير، أنه وقت الشباب المثقف أنه وقت الشباب المتحرر أنه وقت كل حر وكل شريف ولاشك بأن هذا الوعي سينموا ولسوف تزاح الأقنعه وتنكشف للناس الوجوه الممسوخة والنفوس الملوثة التي تزينها بعض الملابس والشعارات الرنانة والكلمات المنمقة الفارغة التي تدعي زوراً وبهتاناً بأسم الدين ولكنها ملوثةً في مضمونها ....
ولسوف تسقط العمائم واللحى الكاذبةِ الخاطئة