الشريط

الثلاثاء، 22 نوفمبر 2011

كلمة أخيرة .... قبل تقرير بسيوني



كلمة أخيرة .... قبل تقرير بسيوني

مقالي على إسلام تايمز

لقد إتخذت ثورة 14 فبراير منحنى جديد يختلف نوعياً عن شكل الإحتجاجات والتظاهرات والإنتفاضات التى سادت فترة من سنوات التسعينيات، وما قبلها منذ إصدار دستور 1973، وأيضا ما تميزت به فترة ما قبل الإستقلال السياسى، فنحن نعيش ثورة بحرينية سلمية الطابع والأكثر جذرية فى تاريخنا، تؤكد عليها وتدعمها ظروف موضوعية عربية غير مسبوقة بدأت بتونس ولم  تنتهى بالطبع عند عند أرض الكنانه فلقد مرت بليبيا ومازالت عواصفها تضرب أرض اليمن والبحرين والسعودية .
 فسوف تستمر هذه المظاهرات الشعبية الحاشدة في البحرين  وسوف تتسع بشكل غير مسبوق وتتركز قائمة المطالب وتتمحور حول مطالب سياسية يمتد أفقها إلى ماهو أبعد من التغيير الهيكلى في السلطة، وهو تصفية ميراث الإستبداد الملازم لدولة ما بعد الإستعمار الإنجليزى والذى إنتهى إلى شكل من أشكال العشائرية البدويه المُحدثة، بدمج التسلط العائلي مع منطق السيطرة على الثروات النفطية وغير النفطية  الذى سخر كل الآليات المتاحة لفرض وإستمرار القهر السياسى والإقتصادى والإجتماعى على الشعب البحرينى الأصيل ، وعلى مكونيه الأساسيين من الطائفتين السنية والشيعية، إستنادا إلى جهاز أمنى مُستورد من باكستان  و بلوشستان والهند والأردن وسوريا واليمن وغيرها من بدو العرب وآسيويين من شبه القاره الهنديه .

وآل خليفة ونظامهم الرافض دوماً للديمقراطية، وهم على رأس الكتلة الحاكمة التى تشكلت على الضد من منطق الدولة المدنيه وإلتحمت بالبيروقراطية العوائلية، وأدمجت شرائح من كبار الرأسماليين الطفيليين وملاك القطاعات الخدماتية وملاك الأراضى التى يجمعها الولاء للعشائريين المُحدثين، كما أوضحت سنوات الأربعون عاماً من حكم وتسلط رئيس الوزراء خليفة بن سلمان الذى حافظ على الإستبداد المتوارث ماقبل الإستقلال منذ بداية تسلطه المالي والإقتصادى بدئ من عام 1957 والذى أبقى على عقلية الغزاة، حتى بعد الإستقلال السياسى الى يومنا هذا بإستخفافه بمقدرات وإقتصاد البلد والإستحواذ عليه وما شرائه لأكبر مدينه مالية مفترضه في البحرين بدينار واحد لهو اكبر دليل على ما قلنا .
وكل ذلك أضحى فى مرمى نيران إنتفاضة 14 فبراير المباركه  والشعب البحرينى الثائر، ولن يسلم منها حتى مصالح الشيعة الموالين لإستمرار النهج الإستبدادى، وشعار إسقاط النظام يجب ألا يخيف إلا عصابة النظام الفاسد أنفسهم.

إننا أمام فرز إجتماعى وسياسى مميز، فطبيعة التكوين الإجتماعى للثورة شامل، على الرغم من أكثرية المسحوقين فيها، وتمايز الأفق السياسى لبعض التيارات الموجوده في المعترك السياسي وبعض  الجمعيات والقوى السياسية المختلفة، هذا التمايز طبيعي، إذ كان من المستحيل الإحتفاظ بهذا الزخم الشعبى العريض الضارب بجذوره عمودياً فى مختلف الفئات الإجتماعية فى البحرين والممتد من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، والأكثريه  فى البحرين تجتمع على ضرورة مواصلة النضال حتى يتم تصفية نظام الإستبداد وتحقيق المطالب الحقيقية والحقوق التي خرج من أجلها شعب البحرين وتقاطرت دمائه على أرصفتها وشوارعها ، وبعيداً عن الفاسدين والمُفسدين.

واليوم، إن المطلوب من القوى الوطنية والديمقراطية، ومن ضمنهم المثقفين والعلماء والسياسيين ، هو الإنخراط  والإلتحاق بركب شباب هذه الثورة والذين يقارعون جلاوزة هذا النظام في الشوارع ليل نهار ، وأن يدعموهم فى تنظيم وتعبئة هذه الثورة ورفدها بالفعاليات لتشكيل قوة ضغط فعلية على الحكومة والأسرة الحاكمة وإنتزاع الحقوق السياسية والمدنية خارج منطق الرضوخ للقيم العشائرية البائدة، وعلى الجميع  إدراك أن مسار الأحداث قد تجاوز إطلاق مبادرات الإصلاح الدستوري، وما سيتم انتزاعه الآن على الأرض هو الأهم والأبقى.

اليوم نحن أمام إختبار حقيقي ولحظات مفصليه فاليوم في البحرين الكل يحبس أنفاسه منتظراً ساعة إطلاق تقرير بسيوني رئيس لجنة تقصي الحقائق والمكلف من الحاكم نفسه  والمزمع أطلاقه هذا التقرير في يوم الأربعاء القادم بعد ان يسلم حاكم البلاد نسخةً منه ،

فمن الملاحظ أن الغالبية من شباب ثورة 14 فبراير وبعض القوى السياسية المعارضه لا يعولون على هذا التقرير ولا يعولون على إنصاف بسيوني لهم إذ إن هذا الشخص ولجنته تم إستأجارهم من قبل رأس السلطه في البحرين والذي هو المتهم الأول لجميع الجرائم والقتل والعنف التي أرتكبت ضد أبناء هذا الشعب ، فكيف للحاكم أن يأتي بلجنة تقصي حقائق لتصدر تقرير يدينه أو يدين اي من رموز سلطة الإستبداد في البحرين .. طبعاً ذلك محال ، ولو تأملنا قليلاً سنجد بأن حاكم البلاد في معيتهِ جميع الوزارات في البحرين أعدوا العده وجهزوا أنفسهم للأحتفال وتدشين هذا التقرير فكيف للإنسان العاقل أن يصدق بأن محتوى هذا التقرير فيه إدانه لرأس السلطة والمسؤول الأول عن الجرائم حمد بن عيسى من قريب أو من بعيد ، وهو الذي  أوعز لمؤسسات الحكم بالإحتفال بالتزامن مع إطلاق هذا التقرير المزمع ؟

بات من الواضح وبقراءة لبعض تصرفات الحكومة في الأيام القليلة الماضية بأن هذا التقرير على أقصى تقدير سوف يدين بعض من صغار ضباط وزارة الداخلية وسوف يوجه الإتهام لهم بقمع المتظاهرين وكذلك سوف يوجه أصابع الإتهام لبعض من عناصر المرتزقه والذين شاركوا في قتل المتظاهرين في البحرين بدم بارد وسوف يقول بأن التعذيب في البحرين والقتل ليس ممنهجاً وإن كل ماحدث هو مجرد تصرفات شخصية قام بها بعض من مرتزقة الداخلية وعدد من ضباطها .


وقد يحمل هذا التقرير في طياته بعض من الإتهامات لبعض الإعلاميين ولا نستبعد إتهام بعض من الوزراء بتأزيم الوضع في البحرين وسوف يوصي بتعويضات لعوائل الشهداء وللمفصولين عن أعمالهم وقد يطلق سراح عدد كبير من المعتقلين والمعتقلات  والذين يرزحون في سجون الظلم والظلام وقد ينهي بعض القضايا ضدهم ويكتفي بحفظها .  ولكن لن نتفاجئ إن إتهم هذا التقرير بعض من رموز المعارضه بأن لهم دور في تأجيج الأوضاع الأمنيه في البلاد وكل ذلك وكل هذه المبررات لكي يعطي معناً للتوازن في توزيع الإتهام للطرفين لبعض من أفراد الحكومة وبعض من أفراد المعارضه .

وسوف يزامن هذا التقرير جلبه إعلاميه داخليه ودولية سوف تُفتعل تعمداً من قبل الحكومة في يوم تسليمه لإشغال الرأي العام الداخلي والخارجي  بمهاترات جانبيه ومناقشات سياسية فارغه وإبعادهم عن لب القضية وهو محاكمة رموز السلطة الفاسدين وإسقاط النظام وهيكله المتهالك المستبد الجاثم على صدور الناس منذ عشرات السنين ، وانا لا أستبعد خروج بعض ممن ينتمون للمعارضه والتصفيق لهذا التقرير والثناء عليه ،لأنه وبالتزامن مع إطلاق هذا التقرير سوف تكون هناك تسويات من قبل الحكومة والدعوة للمصالحة العامة  والحوار الجاد ..!!

إن هذا التقرير وأنا أسميه ( التبرير) لأنه سوف يلتمس المبررات للحكومة وسوف يلمع واجهة حاكم البلاد والذي هو المسؤل الأول الذي وجب أن توجه له أول تهمه في هذا التقرير ، قد بدت معالمه قبل أن يظهر للعلن بأنه تقرير واهي خالي من محاسبة المسؤلين الكبار في البلاد وأنه لن يتطرق لهم سوى بالمدح والثناء والتوصيات التي سوف تأتي على إستحياء .


فضلاً عن أنه سوف يأتي بتسويات تصالحيه وتهيئة أرضية لحوار مزعوم (جاد..!) قادم وقد يمنح من بعد هذا التقرير حاكم البلاد حمد بن عيسى بعض المكرمات والتي هي أساساً حقوق  وليس تفضلاً من أحد وليس من حقه التكرم على الشعب بحقوق هي من ثوابت الشعب وليست مكرمه ..وقد يعطي بعض من الصلاحيات للبرلمان العقيم والذي منذ تأسسيه لم يستفد شعب البحرين منه شيء سوى السجالات العقيمه والمقيته تحت قبته ، وغيرها من إصلاحات شكلية لا ترقى للمطالب الحقيقية ولا تلامس جرح المسأله والتي خرج من أجلها أكثر من ثلثين الشعب البحريني.

ولكن من الجانب الآخر ومن خلال متابعة الشارع ونبض الثورة الحقيقي ألا وهم شباب الثورة أرى بأن هناك رفضاً لهذا المشروع التصالحي والذي سمي تقرير بسيوني قبل أن يصدر ،  ومن خلال قراءة موضوعيه لكافة تحركاتهم وبياناتهم وبالتزامن مع عملياتهم النوعية الضاغطة على هذا النظام في الأيام القليلة الماضية وغيرها  ، أجد بأن من الخطأ الفادح والذي سوف يفجر عاصفة  كاسحة من داخل الثورة عدم الإستجابه لهؤلاء الشباب المناضلين في كافة الميادين وفي كافة الشوارع والأخذ بمطالبهم على محمل الجد والتي قدموا من أجلها الغالي والنفيس  وكلي يقين بأنهم مستعدين لتقديم المزيد من عظيم التضحيات وتحملوا بالغ الأذى ، إن عدم إشراك شباب الثورة بكافة مسمياتهم في المعترك السياسي وفي صنع القرارات المستقبلية  وعزلهم والتحدث بإسمهم وبالنيابة عنهم سوف يطيح بكافة القرارات القادمة وسوف يجهض إي تسويات قادمة سواء في السر أو في العلن.
 وكذلك لا ننسى رموز المعارضة الذين غيبتهم جدران السجن عن هذه الثورة ولكن أنا مؤمن بأنهم موجودين في وجدانها لهم رأي ولقد ضحوا من أجله ومن الواجب بل من المحتم إشاركهم في كل القرارات المصيرية ،  إن هؤلاء جميعهم هم مكونات هذه الثورة البحرينيه المباركة ومن حق الجميع الإشتراك في الرأي وتقرير المصير ، وسياسة القفز على رقاب هؤلاء جميعاً  والتسلق على أكتافهم ومد يد الصلح مع هذا النظام الفاسد أو القبول بإصلاحات شكيلة أو حتى الدخول في حوار مع أي رمز من رموز هذا النظام من دون إشراك شباب الثورة وقادتهم الشباب ورموز المعارضه المغيبين في السجون من شأنه  الإطاحة  ليس فقط بالحكومة بل بوجوه كنا نظنها في الماضي من رموز المعارضة .
 لقراءة المقال على إسلام تايمز



Translate

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة